news-details

داني عطايا تخيّل لو أن بشار الأسد، ذلك الطبيب العادي، لم يكن ابنًا لحافظ الأسد. لو وُلد في أسرة سورية متواضعة بعيدًا عن الحكم، لربما عاش حياته كطالب مجتهد، أكمل دراسته، ومارس الطب كأي طبيب آخر، دون أن يترك أثرًا في حياة السوريين. لم يكن ليمر في بال أحد ممن عرفوه – أو حتى ممن لم يعرفوه – أن هذا الشاب الهادئ سيصبح يومًا ما أحد أكثر الشخصيات إجرامًا في تاريخ سوريا الحديث. وبالمثل، لو أن أسماء الأخرس، الفتاة السورية الطموحة التي نشأت في بريطانيا، لم تصادف بشار الأسد في لندن، لكانت استمرت في عملها بقطاع البنوك، وربما تابعت دراستها في جامعة مثل هارفارد، وأسست عائلة صغيرة تعيش حياة مريحة في الخارج. لم يكن ليخطر في بال أحد أن هذه المرأة، التي بدأت حياتها بشكل طبيعي، ستصبح شريكًا في حكم يدهس مصائر الملايين. الشرّ ليس فطريًا… بل تصنعه السلطة كثيرون يعتقدون أن بشار الأسد (العلوي) وزوجته أسماء (السنية) وُلدا كأشخاص استثنائيين يحملون شرًا فطريًا؛ أناسًا بوجوه قاتمة وأنياب حادة متعطشة للدماء. لكن الواقع أكثر تعقيدًا من هذا التصور البسيط. الحقيقة أن بشار وأسماء لم يكونا أكثر ميلًا للشر من أي شخص آخر، بل هما نموذج عادي لأفراد لولا أن تقاطعت أقدارهما مع السلطة المطلقة، لما تحولوا إلى رمزين للإجرام والاستبداد. السلطة المطلقة، حين تُمنح بلا قيود أو محاسبة، تفتح الباب أمام تحوّلات مرعبة في النفس البشرية. هكذا تحوّل طبيب عادي ومصرفية طموحة إلى شخصين يتحملان مسؤولية دماء مئات الآلاف من السوريين. الطائفة… أداة لا غاية صحيح أن بشار الأسد، وقبله والده حافظ، استندوا إلى الطائفة العلوية لترسيخ حكمهم. وصحيح أن العلويين كجماعة كانوا في صلب السردية السياسية والاجتماعية لسوريا تحت حكم آل الأسد. لكن، وهنا المفارقة، لم يكن هدف السلطة هو خدمة الطائفة، بل كانت الطائفة مجرد أداة لتعزيز القبضة الحديدية. ولعلّ التجربة العراقية تقدّم برهانًا واضحًا على ذلك. فالبعث العراقي، الذي يشترك مع النظام السوري في الأيديولوجيا، أنتج دكتاتورًا دمويًا من طائفة أخرى: صدام حسين، "أسد السنة" كما يسميه البعض. وبرغم اختلاف الطائفة، كانت النتيجة واحدة—قمع وحشي، مجازر، وحتى استخدام الأسلحة الكيماوية ضد أبناء شعبه. العدو الحقيقي… السلطة المطلقة الدرس الأهم هنا أن المشكلة ليست في هوية الحاكم، أكان علويًا أو سنيًا، مسلمًا أو مسيحيًا، علمانيًا أو ملحدًا. الشرّ يكمن في السلطة المطلقة نفسها. إنها وحش جائع، تُحوّل من يمسك بها إلى مستبد، وتخلق منظومة تستعبد الجميع – بما فيهم مَن يُفترض أنهم مستفيدون منها. إذا أراد السوريون اليوم، خصوصًا أولئك الذين اكتووا بنيران الظلم، أن يمنعوا تكرار الكارثة، فإن عليهم أن يوجّهوا غضبهم إلى الهدف الصحيح: محاربة السلطة المطلقة في أي شكل كانت، وأيًا كان مَن يمسك بزمامها. الطوائف والمذاهب والإثنيات ليست سوى حُجُب تخفي وراءها المشكلة الحقيقية. إذا استمر السوريون في التفتت على أسس هوياتية، فسيبقون عالقين في دوامة الاستبداد. أما إذا وحّدوا جهودهم ضد تركيز السلطة واحتكارها، فربما يصبح المستقبل مختلفًا. في النهاية، لا يولد الطغاة طغاةً—السلطة المطلقة هي ما تصنعهم. وإذا كان ثمة درس يجب ألا يُنسى، فهو أن محاربة الظلم تعني محاربة هذا الوحش قبل أن يصنع طاغية جديدًا، بغض النظر عن اسمه أو طائفت



التعليقات

اضافة تعليق