news-details

في خطوة وُصفت بأنها غير مسبوقة، أصدرت وزارة الخارجية السورية التعميم رقم 5768 بتاريخ 24 تموز 2025، والذي يجيز رسميًا للمواطنين السوريين التقدم بطلبات للتخلي عن جنسيتهم عبر السفارات، مقابل الحصول على وثيقة بعنوان "إلى من يهمه الأمر"، شرط موافقة الإدارة القنصلية مسبقًا. هذا القرار، الذي نُشر عبر صحيفة "النهار" اللبنانية، أثار جدلًا واسعًا في الأوساط السياسية والقانونية والدبلوماسية، خاصة أنه يُعدّ أول إجراء مكتوب وعلني يصدر عن وزارة الخارجية بهذا الخصوص. التحول في التعاطي مع ملف الجنسية السورية يأتي في لحظة سياسية دقيقة تشهدها البلاد، في ظل مرحلة انتقالية يقودها الرئيس أحمد الشرع، حيث تتخذ الحكومة الجديدة خطوات متسارعة لإعادة هيكلة العلاقة بين الدولة والمواطن، داخليًا وخارجيًا. وفي حين برّرت بعض المصادر هذه الخطوة بأنها جاءت استجابة لضغوط من رجال أعمال سوريين مقيمين في الخليج اصطدموا بشروط بعض الدول التي تطلب التخلي عن الجنسية الأصلية قبل منح جنسية بديلة، فإن مراقبين آخرين يرون فيها بوادر سياسة جديدة لإعادة تعريف الهوية السورية على أسس انتقائية، قد تكون مرتبطة بإعادة توزيع قانوني أو سياسي للسكان في الشتات. عدد من الدبلوماسيين والباحثين القانونيين أبدوا تحفظاتهم على القرار، مؤكدين أن قانون الجنسية السوري الصادر عام 1969 لا يجيز التخلي عن الجنسية بإرادة منفردة، بل يشترط مرسومًا جمهوريًا لنزعها، وغالبًا ما يكون ذلك لأسباب تتعلق بجرائم خطيرة مثل الخيانة أو التجسس. كما أن ملف الجنسية من اختصاص وزارة الداخلية، مما يجعل إصدار التعميم من قبل وزارة الخارجية متجاوزًا للصلاحيات، وغير مستند إلى أي مرجع تشريعي نافذ. المخاوف لا تتوقف عند الجانب القانوني، بل تمتد إلى تداعيات محتملة في المستقبل القريب. إذ يرى محللون أن فتح باب التخلي عن الجنسية السورية قد يشكل أداة قانونية لاحقة لسحب حقوق فئات واسعة من السوريين في المهجر، سواء في ما يتعلق بحق العودة، أو بالمطالبة بالتعويض، أو حتى بالمشاركة السياسية لاحقًا. وتحديدًا في سياق العدالة الانتقالية، فإن التخلّي الرسمي عن الجنسية قد يمنح غطاء قانونيًا لمرتكبي جرائم في عهد النظام السابق لتجنّب الملاحقة أو التسليم، خاصة بعد مرور خمس إلى سبع سنوات من تاريخ التنازل. ما يفاقم الغموض حول التعميم، أنه لم يصدر على شكل مرسوم جمهوري، ولم تُرافقه أية توضيحات من قبل وزارة الداخلية، الأمر الذي جعل البعض يصفه بـ"القرار السياسي المغلّف بغلاف إداري". كما أن توقيته يتزامن مع تطورات إقليمية ومحلية حساسة، ومع بدء بعض الترتيبات الإدارية والاقتصادية الجديدة التي تقودها الحكومة الانتقالية بقيادة الرئيس الشرع. في المحصلة، يعكس التعميم رقم 5768 لحظة فارقة في النظرة الرسمية إلى مفهوم الجنسية والانتماء، ويضع السوريين في الخارج أمام معادلة صعبة: بين رغبة بعضهم في الحصول على جنسية بديلة تتيح لهم الاستقرار والحماية القانونية، وبين احتمالات فقدان الصفة القانونية التي تربطهم بوطنهم الأم. وبينما يرى فيه البعض بابًا للتنظيم والتيسير، يحذّر آخرون من أن يكون مقدمة لتفريغ صامت لملايين السوريين من حق العودة والانتماء، عبر أدوات قانونية غير محسوبة العواقب. داني عطايا



التعليقات

اضافة تعليق