في خضمّ التوترات التي اجتاحت مدينة جرمانا بريف دمشق، وبينما كانت الجهود المحلية تسعى لاحتواء فتيل الفتنة، كانت هناك معركة موازية تُخاض على منصة X، لكن هذه المرة بأسلحة رقمية وكلمات مفعمة بالكراهية والطائفية. أجريت تحقيقات دقيقة ، كشفت من خلالها عن شبكة ضخمة من الحسابات المشبوهة، كثير منها لا يديرها سوريون، استغلت لحظات الاحتقان لتأجيج نيران الطائفية بين أبناء الشعب الواحد، عبر حملة تغريدات ممنهجة أعادت إنتاج خطاب الكراهية بمستوى غير مسبوق. 5300 تغريدة تم تحليلها خلال 48 ساعة، رُصدت بين 28 و30 أبريل، وهي ذروة الاقتتال، وتضمنت دعوات تحريضية مستترة أحياناً، وصريحة أحياناً أخرى، أثارت الانقسام وسعت إلى تحويل التوتر الأمني إلى شرخ مجتمعي عميق. المثير أن الحسابات المشاركة لم تكن عشوائية، بل انقسمت إلى أربعة تيارات رئيسية، أبرزها: حسابات لبنانية وعراقية موالية للأسد وحزب الله، تستحضر الطائفية كذريعة لدعم مواقفها العدائية تجاه المعارضة السورية. حسابات موالية للأسد بدت كأنها تبدّل مواقفها بشكل انتهازي، حيث دعمت أبناء السويداء رغم مهاجمتهم سابقاً. حسابات إسرائيلية تنشر بشكل منسّق دعوات لتقسيم سوريا بذريعة "حماية الأقليات"، وتبرّر تدخلات عسكرية تحت ستار إنساني. حسابات مجهولة الهوية، تعمل كحلقة وصل رقمية، وتعيد ضخ المحتوى الطائفي بشكل مكثف وسريع. التحقيق بيّن أن عشرات الحسابات أُنشئت بشكل متزامن في يوم واحد فقط (29 أبريل)، في ذروة الأزمة، ما يثير شكوكاً قوية بوجود حملات إلكترونية منظمة وممولة تهدف لتأجيج الفتنة الطائفية. أما الوسوم (الهاشتاغات) التي رُوّج لها فكانت بمثابة وقود رقمي للفتنة، أبرزها: "#حماية_الأقليات"، "#محرقة_العلويين_في_سوريا"، "#أوقفوا_الانتهاكات_بحق_الأقليات_في_سوريا"، وكلها عبارات تحاول صبغ الصراع بطابع طائفي بحت. وزارة الإعلام السورية علّقت على التقرير بقولها إن العمل جارٍ على إعداد قوانين لتجريم الخطاب الطائفي وجرائم المعلوماتية، في وقت بدأت تظهر فيه أصوات سورية داخلية تطالب بإطفاء نيران التحريض والعمل على التهدئة. لكن يبقى السؤال: من يقف فعلياً خلف هذه الشبكة المجهولة؟ وهل سنشهد جولات جديدة من الفتنة الرقمية مع كل أزمة جديدة في سوريا؟
التعليقات