مع انطلاق معركة "ردّ العدوان" من الشمال، كانت محافظة درعا تعيش حالة غليان وترقّب، استعداداً للحظة الحسم التي تنتظرها منذ سنوات. فخلف المشهد العلني، دارت كواليس دقيقة وتحركات سرية أعادت الجنوب إلى مسرح الأحداث بقوة. منذ عام 2018، وبعد بسط النظام سيطرته على الجنوب، حافظت غالبية فصائل الجيش الحر وفصائل المقاومة على وجودها ضمن صيغة "خلايا نائمة" منتشرة في أرجاء حوران. هذه المجموعات واصلت التنسيق السري وحافظت على جاهزيتها، بانتظار القرار الذي سيغيّر المعادلة. ومع إعلان بدء المعركة، بدأت عمليات التنسيق بين غرف عمليات الجنوب، وجرى ربط القرى والمحاور كافة بخطة عسكرية موحدة. ورغم بعض التحركات الفردية قبل ساعة الصفر، سارعت الفصائل إلى تشكيل غرفة عمليات عسكرية مركزية لتوحيد القيادة وضبط التحركات. وفي صباح الجمعة 6 ديسمبر/كانون الأول 2024، دقّت ساعة الصفر. اندلعت الاشتباكات على عدة محاور، وتمت محاصرة معظم المواقع الأمنية والعسكرية التابعة لقوات النظام. وتعليمات غرفة العمليات كانت واضحة: التحرك المنظم على المحاور الشرقية والغربية ومنطقة الجيدور ودرعا البلد، والحفاظ على المرافق العامة، ومنح عناصر النظام الراغبين بالانسحاب ممرّاً آمناً. تقدم الثوار من الضواحي باتجاه مركز درعا، بالتزامن مع ضغط واسع من جميع الجبهات. ومع وصول قوات الشمال إلى حدود حمص، صدرت أوامر جديدة بعدم عرقلة انسحاب قوات الأسد والتركيز على مواجهة القطع العسكرية المستعصية فقط. وبحلول مساء 7 ديسمبر 2024، كان جيش النظام قد انسحب بالكامل من الجغرافيا الدرعاوية، متراجعاً نحو دمشق، بينما واصل الثوار مطاردته حتى تخوم العاصمة. وفي مشهد غير مسبوق في تاريخ الصراع السوري، التقت قوات الجنوب بقوات الشمال في قلب دمشق، معلنةً نهاية مرحلة وبداية أخرى. ورغم الانتصار، دفعت درعا ثمناً مؤلماً، إذ فقدت 11 مقاتلاً من أبناء المحافظة، إضافة إلى 18 مقاتلاً من فصائل الشمال المشاركة بإدارة العمليات.
التعليقات