في خطوة تاريخية منذ سقوط نظام بشار الأسد، وصل وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني إلى الصين، فاتحاً باب مرحلة جديدة في علاقة البلدين بعد سنوات من البرود والحذر. زيارةٌ ليست بروتوكولية بقدر ما هي رسالة سياسية تقول إن دمشق تعيد رسم خارطة تحالفاتها على مهل… وبوصلة الشرق هي الاتجاه الجديد. إعادة تعريف العلاقة مع العملاق الآسيوي تسعى سورية خلال زيارة الشيباني إلى إعادة بناء جسور الثقة مع بكين التي كانت أحد أبرز المدافعين عن النظام السابق في مجلس الأمن. لكن دمشق اليوم تريد علاقة "معاد ضبطها"، تقوم على المصالح الاقتصادية والاستراتيجية بعيداً عن إرث الماضي. وبحسب تصريحات سابقة للشيباني، فإن بلاده "بحاجة إلى الصين" في المرحلة الراهنة لدعم ملف إعادة الإعمار، وهو ما يجعل الزيارة بمثابة عرض شراكة مفتوح أمام بكين في قطاعات البنية التحتية والطاقة والاتصالات. هواجس بكين: الإيغور أولاً ورغم الأجواء الإيجابية، يبقى ملف المقاتلين الإيغور أكثر ما يقلق الصين. فقد أعربت بكين أكثر من مرة عن خشيتها من نشاط عناصر "حركة تركستان الشرقية الإسلامية" داخل سورية. مصادر مطلعة تشير إلى أن دمشق قدّمت ضمانات أمنية واضحة للصين بأن المقاتلين الأجانب سيتم ضبط حركتهم وإدماجهم بشكل لا يهدد الأمن الإقليمي، ومن دون منحهم مواقع حساسة داخل المؤسسة العسكرية. إشارات صينية مطمئنة ويقرأ باحثون سياسيون عدم اعتراض الصين على رفع أسماء أحمد الشرع ووزير الداخلية أنس خطاب من قائمة العقوبات الدولية بوصفه ضوءاً أخضر مبكراً يسهّل تطبيع العلاقات. بينما يرى السفير السابق بسام العمادي أن بكين "ترى فرصة ذهبية" في مشاريع إعادة الإعمار، خصوصاً مع حاجة سورية لمستثمر كبير قادر على التمويل والتكنولوجيا. اقتصاد يفتح الأبواب شرقاً اقتصادياً، تراهن دمشق على تحويل الصين إلى شريان دعم طويل الأمد يخفّف من أثر العقوبات الغربية. ويؤكد الخبير الاقتصادي عبد العظيم المغربل أن الحكومة السورية تسعى لفتح الباب أمام استثمارات صينية مباشرة في الطاقة والصناعة والتقنيات الحديثة، إضافة إلى تسهيلات مالية تساعدها على تجاوز قيود الدولار وتمويل واردات السلع الأساسية. كما تبحث سورية عن نافذة إلى السوق الصينية لتصدير منتجاتها الزراعية والدوائية، وتقليص العجز التجاري المزمن مع بكين. مرحلة جديدة تتشكّل بالمحصلة، تمثل زيارة الشيباني إلى الصين نقطة انعطاف في السياسة السورية، التي يبدو أنها قررت التحرّك على أكثر من خط: انفتاح على واشنطن ولندن، وتماسك في العلاقة مع موسكو، وبناء محور متين مع بكين. وإذا ما نجحت هذه التحركات، فقد تشكّل الصين مظلّة استقرار اقتصادية وسياسية لدمشق في مرحلة هي الأكثر حساسية منذ التغيير السياسي في البلاد.
التعليقات