تترقب الأوساط السياسية والدبلوماسية زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى واشنطن خلال الأيام المقبلة، في حدث يوصف بأنه الأكثر أهمية منذ بدء الأزمة السورية. فبعد سنوات من تعامل الولايات المتحدة مع "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) كذراع ميداني في شمال شرقي البلاد، تشير التطورات إلى أن واشنطن تتجه بوضوح نحو الاعتراف العملي بالدولة السورية كشريك رئيسي في إدارة المرحلة المقبلة. وبحسب مصادر مطلعة، ستتناول الزيارة ملفات الأمن الإقليمي، ومكافحة الإرهاب، ومستقبل الوجود الأميركي في سوريا، إلى جانب اتفاق 10 آذار/مارس 2025 بين الحكومة السورية و"قسد"، الذي نصّ على دمج الأخيرة ضمن مؤسسات الدولة. هذا الاتفاق كان بمثابة مقدمة سياسية للتفاهم الأميركي-السوري الجديد، الذي يبتعد تدريجياً عن الاعتماد على القوى المحلية المنفصلة، ويمنح دمشق دوراً مركزياً في ضبط الجغرافيا السورية. اللقاء المرتقب في البيت الأبيض يُعدّ إعلاناً غير مباشر عن نأي واشنطن بنفسها عن "قسد"، بعدما تحوّلت من ورقة ضغط إلى عبء سياسي معقّد، خصوصاً مع تصاعد التوتر مع تركيا بسبب دعمها المستمر لتلك القوات. ويكشف هذا التحول عن قناعة أميركية بأن استمرار الرهان على "قسد" لم يعد يحقق استقراراً، بل يُعقّد التوازنات مع أنقرة ويُضعف فرص مكافحة الإرهاب بشكل منسق. رسائل متعددة الاتجاهات التحول الأميركي نحو دمشق لا يقتصر على الجانب الأمني، بل يحمل رسائل دبلوماسية أوسع لدول المنطقة.فالعواصم العربية التي أعادت فتح قنواتها مع دمشق ترى في الخطوة الأميركية مؤشراً على عودة سوريا إلى المنظومة الدولية من بوابة واشنطن. أما تركيا، فستجد نفسها أمام معادلة جديدة تُعيد ترتيب الأولويات الميدانية في الشمال، بينما تراقب موسكو وطهران مسار هذا التقارب بحذر محسوب. نحو إعادة تعريف الوجود الأميركي تُظهر المعطيات الأولية للزيارة أن هناك نية لإعادة صياغة طبيعة الوجود الأميركي في سوريا، بحيث يتم ربطه بإطار قانوني واتفاق مباشر مع الحكومة السورية. وهذا يعني أن واشنطن تتحرك باتجاه “شرعنة” وجودها، بما يضمن مصالحها الاستراتيجية دون كلفة سياسية أو مالية كبيرة. كما تشير المعلومات إلى أن النقاش سيشمل ملفات الحدود، وحقول النفط، وإعادة الإعمار، ومكافحة الإرهاب، في محاولة لتشكيل “خريطة طريق مشتركة” بين الطرفين تضمن الاستقرار وتوازن المصالح. التحديات لا تزال قائمة رغم الحراك الدبلوماسي المكثف، فإنّ الثقة بين واشنطن ودمشق لا تزال قيد الاختبار. فالولايات المتحدة تشترط تقدماً ملموساً في ملفات حقوق الإنسان وحقوق الأقليات، بينما تسعى دمشق للحصول على ضمانات لرفع تدريجي للعقوبات وعودة الاستثمارات. أما "قسد"، فتواجه واقعاً سياسياً جديداً، إذ لم تعد تحظى بالدعم غير المشروط من واشنطن، وهي أمام خيارين: الاندماج الكامل ضمن مؤسسات الدولة، أو التحول إلى قوة محلية محدودة ضمن الإطار السيادي السوري. خلاصة زيارة الرئيس أحمد الشرع إلى واشنطن تمثل لحظة مفصلية في العلاقات السورية-الأميركية، إذ تُترجم على أرض الواقع تحوّل الولايات المتحدة من دعم الفاعلين المحليين إلى التعامل المباشر مع الدولة السورية. هذا التطور يعكس إعادة تموضع أميركية شاملة في الملف السوري، ويؤسس لمرحلة جديدة من البراغماتية السياسية التي تسعى إلى استقرار أقل كلفة وأكثر استدامة، فيما تتحول الشراكة مع حكومة الشرع إلى خطوة نحو “شرعنة الوجود الأميركي” بعد سنوات من الاعتماد على وكلاء محليين.
التعليقات