news-details

داني عطايا منذ أكثر من أربعة عقود، رفعت إيران شعار "تصدير الثورة"، وهو الشعار الذي لم يكن مجرد خطاب دعائي، بل تحوّل إلى إستراتيجية متكاملة تهدف إلى التدخل في شؤون الدول، وتفكيك مجتمعاتها، وزرع الفوضى لضمان بقاء نفوذها. سوريا لم تكن استثناءً من هذه السياسة، بل كانت واحدة من أهم ساحات النفوذ الإيراني منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011. ومع سقوط نظام الأسد المجرم، لن تتوقف إيران عن التدخل، بل ستسعى إلى تصدير الفوضى للحفاظ على مصالحها وحرمان الشعب السوري من حقه في الاستقرار والحرية. إيران وسوريا: علاقة قائمة على استغلال الفوضى منذ اليوم الأول للثورة السورية، دعمت إيران نظام الأسد بالمال والسلاح والمقاتلين، ليس حبًا به، ولكن لأنه كان أفضل أداة للحفاظ على نفوذها في سوريا. وعندما بدأ النظام بالانهيار، لم تتردد إيران في إرسال ميليشياتها الطائفية من لبنان والعراق وأفغانستان وباكستان لإنقاذه، متبعة أسلوبًا عسكريًا يهدف إلى تحويل سوريا إلى ساحة حرب دائمة، يمكنها التحكم بها حتى بعد رحيل الأسد. إيران لا تريد دولة سورية قوية ومستقلة، بل تسعى لإبقاء سوريا ضعيفة، غارقة في الأزمات، حتى يسهل عليها التحكم بها عبر الميليشيات والتغلغل الاقتصادي والسياسي. وهذا يعني أن سقوط الأسد لن يكون نهاية التدخل الإيراني، بل بداية مرحلة جديدة من الفوضى التي ستستخدمها طهران لضمان استمرار نفوذها. كيف تخطط إيران لتصدير الفوضى إلى سوريا بعد الأسد؟ 1 الإبقاء على الميليشيات كدولة ظلّ إحدى أهم أدوات إيران في سوريا هي الميليشيات المسلحة، مثل "حزب الله السوري"، و"لواء فاطميون"، و"زينبيون"، التي أسستها ودعمتها لتكون بديلاً عن الجيش السوري. حتى بعد سقوط الأسد، لن تسمح إيران لهذه الميليشيات بالاندماج في أي جيش وطني، بل ستستخدمها لتعطيل الاستقرار، كما فعلت في العراق ولبنان. هذه الميليشيات ستكون مسؤولة عن عمليات اغتيال، وافتعال أزمات أمنية، وخلق حالة من الفوضى تمنع قيام دولة سورية قوية. 2 استمرار سياسة التغيير الديموغرافي خلال السنوات الماضية، نفذت إيران عمليات تهجير ممنهجة للسكان الأصليين من مناطق مثل دمشق وريفها، واستبدلتهم بعائلات الميليشيات الموالية لها. ومع سقوط الأسد، ستعمل إيران على تعزيز هذا التغيير الديموغرافي، لضمان وجود "جيوب شيعية موالية" لها يمكن استخدامها كأداة ضغط سياسي وأمني في المستقبل، مما يجعل أي حكومة جديدة عاجزة عن اتخاذ قرارات مستقلة بعيدًا عن النفوذ الإيراني. 3 استخدام الاقتصاد كسلاح للسيطرة إيران لم تستثمر فقط في الميليشيات، بل تسعى أيضًا للسيطرة على الاقتصاد السوري. من خلال السيطرة على قطاعات حيوية مثل الاتصالات، والموانئ، والمناطق الحرة، ستستخدم إيران نفوذها الاقتصادي لخنق أي حكومة جديدة وإجبارها على الخضوع لشروطها. كما ستعمل على نشر الفساد وتمكين رجال أعمال مرتبطين بها من التحكم في الاقتصاد السوري، مما يجعل من الصعب على سوريا النهوض من جديد. 4 إشعال الفتن الداخلية لقتل أي مشروع وطني إحدى أخطر أدوات إيران هي قدرتها على استغلال الانقسامات الداخلية لزرع الفوضى. بعد سقوط الأسد، ستعمل على دعم شخصيات موالية لها داخل أي حكومة مستقبلية، وستحرض الفئات المختلفة ضد بعضها البعض، حتى تبقى سوريا في حالة صراع داخلي دائم يمنع أي توحيد للصفوف ضد النفوذ الإيراني. 5 تحويل سوريا إلى ورقة تفاوض إقليمية كما فعلت في العراق ولبنان، ستستخدم إيران وجودها في سوريا كورقة ضغط في مفاوضاتها مع الدول الكبرى، سواء للضغط على الولايات المتحدة، أو لمقايضة نفوذها في سوريا بمكاسب أخرى في المنطقة. وهذا يعني أن الشعب السوري قد يجد نفسه مرة أخرى ضحية لمساومات دولية، تستفيد منها إيران على حساب استقلال سوريا. كيف يمكن للشعب السوري مواجهة المخطط الإيراني؟ إذا أراد السوريون أن يضمنوا استقلال بلادهم بعد سقوط الأسد، فعليهم أن يكونوا على وعي كامل بخطورة المشروع الإيراني، وأن يعملوا على إحباط مخططاته قبل أن تتحول سوريا إلى نسخة أخرى من العراق أو لبنان. 1 رفض وجود الميليشيات ودمجها في الجيش الوطني الخطوة الأولى لمواجهة إيران هي إنهاء وجود الميليشيات التي زرعتها في سوريا، ورفض أي محاولة لإبقائها كقوة موازية للدولة. يجب أن يكون هناك جيش وطني موحّد، خالٍ من أي نفوذ إيراني، قادر على فرض الأمن والاستقرار. 2 وقف التغيير الديموغرافي واستعادة الأراضي المنهوبة يجب أن يعمل السوريون على استعادة المناطق التي تم تهجيرهم منها، ورفض أي محاولات لفرض واقع ديموغرافي جديد يخدم المصالح الإيرانية. يجب أن تكون هناك سياسات واضحة لإعادة اللاجئين والمهجرين إلى مناطقهم الأصلية، ومنع إيران من فرض سيطرتها عبر توطين الموالين لها. 3 بناء اقتصاد مستقل بعيدًا عن النفوذ الإيراني يجب على أي حكومة سورية قادمة أن تضع حدًا للنفوذ الإيراني في الاقتصاد، وأن تعمل على بناء اقتصاد مستقل قائم على دعم الإنتاج المحلي، وتشجيع الاستثمارات غير المرتبطة بإيران. من الضروري إلغاء أي اتفاقيات اقتصادية تمنح إيران سيطرة على القطاعات الحيوية في البلاد. 4 تعزيز الوحدة الوطنية ورفض الفتن الطائفية إيران تعتمد في إستراتيجيتها على بثّ الفرقة بين السوريين، وإثارة الصراعات الطائفية والمذهبية. لمواجهة هذا، يجب تعزيز الوحدة الوطنية، ورفض أي خطاب طائفي، والعمل على بناء دولة تقوم على المواطنة لا على الولاءات الطائفية أو العرقية. الخلاصة: لا سقوط للأسد بدون سقوط النفوذ الإيراني سقوط نظام الأسد هو خطوة مهمة نحو حرية سوريا، لكنه لن يكون كافيًا إذا لم يتم إنهاء النفوذ الإيراني الذي زرع الفوضى في البلاد. إيران لن تتوقف عن محاولاتها للسيطرة على سوريا حتى بعد رحيل الأسد، وستستخدم كل الوسائل لإبقاء البلاد في حالة عدم استقرار تخدم مصالحها. على الشعب السوري أن يكون واعيًا لهذه المخططات، وأن يعمل بكل قوته على بناء دولة وطنية مستقلة، حرة من أي تدخل خارجي، وقادرة على تحقيق تطلعات أبنائها في الحرية والكرامة والعدالة .



التعليقات

اضافة تعليق