بقلم الصحفي محمد الراضي في خضم الثورة السورية التي اندلعت عام 2011، برزت أسماء كثيرة من الناشطين والصحفيين الذين عملوا على نقل حقيقة ما يجري على الأرض، وسط محاولات النظام السوري طمس معالم الجرائم والانتهاكات. لكن من بين هؤلاء جميعًا، تميّز الصحفي قتيبة ياسين بكونه أحد أبرز الأصوات الإعلامية التي رصدت وكشفت للعالم جرائم الحرب والمجازر الجماعية، وخاصة تلك التي ارتكبتها الميليشيات الطائفية في السيدة زينب، بما في ذلك مجازر ميليشيا أبو الفضل العباس، والتي كانت إحدى أذرع النظام السوري في تنفيذ عمليات قتل وتهجير واسعة بحق المدنيين. دوره في كشف المجازر والمقابر الجماعية كان قتيبة ياسين من أوائل الصحفيين الذين سلطوا الضوء على حقيقة ما يجري في السيدة زينب، المنطقة التي تحولت إلى بؤرة عسكرية مغلقة تحت سيطرة الميليشيات المدعومة من إيران. لم يكن الأمر مجرد نقل أخبار من بعيد، بل استطاع ياسين بناء شبكة قوية من المصادر السرية داخل المنطقة، من أبطال خاطروا بحياتهم لنقل الحقيقة، فكان يستقي منهم شهادات مباشرة عن الفظائع المرتكبة، من عمليات الإعدام الميدانية، إلى اختطاف المدنيين، وصولًا إلى إنشاء المقابر الجماعية في أماكن خفية داخل مقرات الميليشيات. لم يكن مجرد صحفي يروي ما يُقال، بل كان باحثًا عن الحقيقة، موثّقًا لكل دليل، وناقلًا للواقع كما هو دون تزييف. كانت تحقيقاته تكشف حجم التواطؤ بين ميليشيات أبو الفضل العباس وأجهزة الأمن السورية، وكيف تحولت السيدة زينب إلى مركز للجرائم الطائفية بحق السكان، الذين أُجبروا على مغادرة منازلهم تحت تهديد السلاح. كشف مقرات الميليشيات وأماكن الدفن السرية لم يتوقف عمل قتيبة ياسين عند توثيق المجازر، بل كان له دور بارز في الكشف عن مقرات الميليشيات وأماكن المقابر الجماعية. استطاع عبر مصادره السرية الوصول إلى مواقع استخدمتها ميليشيات النظام في دفن الضحايا لإخفاء آثار الجرائم، حيث تم تفجير أبنية بأكملها فوق الجثث لإخفاء الأدلة، تمامًا كما حدث في حي التضامن في دمشق. عبر تحقيقاته، قدم ياسين معلومات دقيقة للمنظمات الحقوقية والصحفيين الدوليين، ما ساهم في فتح تحقيقات دولية حول جرائم الإبادة التي ارتكبتها الميليشيات الطائفية في سوريا، وخاصة في السيدة زينب، التي أصبحت محمية عسكرية مغلقة تحت سيطرة إيران وحزب الله. قتيبة ياسين أكثر من صحفي خلال مقابلاتي المتكررة مع قتيبة ياسين، كان واضحًا أنه لا يتمتع فقط بفهم عميق لمعنى الصحافة ودورها في كشف الحقيقة، بل يمتلك أيضًا كاريزما إعلامية استثنائية، وثقافة واسعة عالميًا، ودماثة أخلاقية تجعله مثالًا للصحفي الحقيقي. لم يكن مجرد ناقل للأخبار، بل كان صوتًا حقيقيًا لمن لا صوت لهم، ينقل معاناتهم ويضع العالم أمام مسؤولياته تجاه جرائم لم يشهد لها التاريخ مثيلًا. اليوم، وبعد سقوط النظام السوري، تبقى بصمة قتيبة ياسين شاهدة على أن الصحافة ليست مجرد مهنة، بل هي سلاح في وجه الطغاة، ورسالة إنسانية لا يتقنها إلا من حمل على عاتقه مسؤولية الحقيقة، مهما كان الثمن.
2025-02-27 14:08