news-details

محمود مهاوش دمشق الكبرى: الحلم الذي يعيد رسم وجه العاصمة ويحيي ذاكرة الأرض دمشق، المدينة التي نشأت على ضفاف التاريخ وأزهرت في حضن الطبيعة،أقدم عاصمة في العالم تقف اليوم على عتبة مصيرية تتطلب إعادة التفكير في مستقبلها. بين أنين الأحياء العشوائية التي تلتهم أراضي الغوطة الخصبة، وذكريات المجازر والألم التي تشوه ماضيها، تكمن الحاجة الملحة لمشروع يعيد إليها أناقتها ويدفن عثرات العقود الماضية ويصحح خطأ تاريخي قديم . الغوطةالغناء ، التي كانت توصف بجنة الأرض ، ذُبحت مرتين: مرة عندما تحولت أراضيها الزراعية إلى كتل عشوائية ومصانع شوهت جمالها وأهدرت مواردها، ومرة ثانية حينما حملت الحرب إلى بساتينها الخراب. إعادة الإعمار على أسس خاطئة لن تكون سوى استكمال لمسلسل التدمير. لكن، ماذا لو حملنا رؤية جريئة، رؤية تنقل العاصمة إلى أفق جديد، حيث يمكن للغوطة أن تستعيد خضرتها ولدمشق أن ترتدي حلتها الحضارية من جديد؟ مشروع “دمشق الكبرى” ينبثق من هذه الرؤية. عاصمة إدارية حديثة تُقام على أطراف البادية السورية في مساحة واسعة قابلة للتمدد، بعيدًا عن أراضي الغوطة التي تستحق أن تُعاد إليها الحياة كمساحات خضراء مترامية الأطراف. هذا المشروع، القائم على الاستدامة والحداثة، يضمن تعويض السكان المتضررين بمساكن رحبة ومتطورة بعيدًا عن الضيق الذي فرضته العشوائيات المدمرة. دمشق الكبرى ليست مجرد نقل للعاصمة، بل هي فرصة لتحقيق فوائد استراتيجية كبرى. من وقف الزحف الصحراوي، إلى إعادة إحياء الأراضي الزراعية لمئات الكيلومترات، إلى توفير البنى التحتية المتطورة في منطقة ذات إمكانيات غير محدودة للتمدد. المياه، شريان الحياة، يمكن أن تُجلب من منابع العاصي والفرات أو بردى وعين الفيجة، بينما يمكن إحياء بحيرة العتيبة لتكون رمزًا للحياة المتجددة في قلب هذه العاصمة الجديدة. هذا الحلم يتطلب إعادة النظر في المشهد الحالي للعشوائيات والقطع العسكرية المحيطة بدمشق. من مزة 86 إلى عش الورور، ومن مساكن الحرس إلى مخيم اليرموك، هذه المواقع التي أُقيمت على أراضٍ كانت ملكًا للدولة أو الأهالي، يمكن إزالتها لتصبح جزءًا من مشروع أخضر يعيد للأرض كرامتها وللإنسان حريته. حتى المعالم العسكرية، مثل مطار المزة أو اللواء 42، التي كانت مخصصة للسيطرة على المدينة، يمكن أن تتحول إلى رموز للحياة. تصوروا تحويل هذه المواقع إلى حدائق عامة أو مشاريع تنموية. تخيلوا إزالة المربعات الأمنية وتحويلها إلى أكبر حديقة ياسمين في العالم، ليصبح كل مكان فيها شهادة على تحول دمشق من مدينة محاصرة بالخوف إلى مدينة مفتوحة على الأمل. إن نهر بردى، الذي تلطخ بالتعب، يحتاج إلى استعادة مجده، ليعود كما كان: شريان حياة للعاصمة. إعادة تفعيل قطار المصايف، الذي كان ينقل الأحلام إلى الزبداني والربوة، يمكن أن يُعيد للسياحة نكهتها القديمة وللمدينة حيويتها. مشروع دمشق الكبرى، أو العاصمة الإدارية الجديدة، ليس مجرد حلم، بل هو واجب تجاه التاريخ والطبيعة وسكان دمشق. إعادة زراعة الزيتون والمشمش والرمان والتوت والخوخ والدراق والإجاص والتفاح في أراضي الغوطة ليست فقط إحياء للزراعة، بل هي دعوة لعودة الغوطة كجنة من جنات الأرض كما وصفها القدماء. دمشق الكبرى ليست مجرد مدينة، بل هي رسالة إلى العالم بأن سوريا قادرة على النهوض من الرماد. إنها جسر بين الماضي المجيد والمستقبل المشرق، بين الحضارة القديمة ورؤية حديثة تعيد للإنسان والطبيعة حقهما. هذا الحلم ليس مستحيلاً، بل هو الخيار الوحيد لمن يريد لدمشق أن تبقى القلب النابض لسوريا وللعالم.



التعليقات

اضافة تعليق