هذه حلقة ثانية في نقاش القرارات الأخيرة التي صدرت مؤخراً عن إدارة العمليات العسكرية في سوريا، تتناول الأجهزة الأمنية التي حُلّت بدورها؛ وكانت الحلقة الأولى قد تناولت إرث «الحركة التصحيحية» من زوايا جيش النظام كما أعاد تركيبه حافظ الأسد بعد انقلاب 16 تشرين الثاني (نوفمبر) 1970، وكما ورثه بشار الأسد وحفنة الضباط قادة الفيالق والفرق والأفواج، والأجهزة الأمنية المختلفة، الذين كان معظمهم زعماء عصابات نهب مافيوية. جدير بالذكر، أوّلاً، أنّ تكوين أجهزة المخابرات في سوريا توطد، بقوّة أكثر، على يد عبد الحميد السراج خلال أواسط خمسينيات القرن الماضي وحتى الوحدة مع مصر سنة 1958. بعد الانفصال، خلال سنوات 1961 ـ 1963، حاولت الحكومة إصلاح الجهاز عن طريق تأسيس قيادة خاصة للأمن الداخلي، لكنّ انقلاب حزب البعث في آذار (مارس) 1963 أجهض المحاولة؛ ففًرضت الأحكام العرفية، ومُنح العقيدان أحمد سويداني وعبد الكريم الجندي صلاحيات أمنية واسعة. وأما التعديل الجذري الذي أدخله الأسد الأب على منظومة المخابرات السورية، بعد انقلاب 1970، فقد تمثّل أولاً في تطوير جهازَين من قلب المؤسسة العسكرية، هما «شعبة المخابرات العسكرية» و«إدارة مخابرات القوى الجوية»؛ وتمكينهما على نحو يجعل منهما قطبين موازيين لـ«إدارة المخابرات العامة» و«إدارة الأمن السياسي». ومن حيث الشكل، كان كلّ من الأجهزة الأربعة يتولى الاختصاصات التي يشير إليها الاسم: المخابرات العامة تختصّ بالتهديدات التي تطال الأمن القومي في الداخل والخارج، والأمن السياسي بالتنظيمات والتجمعات عموماً والأحزاب المعارضة خصوصاً، والأمن العسكري يختص بالجيش والقوات المسلحة، والقوى الجوية تقتصر على سلاح الطيران الحربي وأمن السفارات. وأما من حيث المضمون فقد أتاح النظام لقادة هذه الأجهزة الأربعة أن يتدخلوا في كلّ شأن يعتبرونه مساساً بأمن النظام، دون تنسيق بين الأجهزة أحياناً؛ وشريطة أن يعود الجميع في نهاية المطاف إلى المكتب الأمني الخاص بالرئاسة، وإلى رأس النظام شخصياً في أحيان كثيرة. كذلك كان الأسد الأب قد وجّه قادة الأجهزة، في المخابرات العسكرية والجوية على نحو خاص، بتعديل التركيب العشائري (وليس الطائفي فقط!) للضباط والعناصر في فروع الجهاز؛ وكان الأمر يتمّ وفقاً لهذه السيرورة، على سبيل المثال: يختار اللواء علي دوبا، من المخابرات العسكرية، مجموعة ضباط ينتمون إلى عشيرة النميلاتية، من رُتب نقيب أو رائد غالباً، يعملون أصلاً في أسلحة المشاة أو المدفعية أو السلاح الصاروخي أو البحرية؛ فينتدبهم من وحداتهم الأصلية في الجيش النظامي، إلى المخابرات العسكرية، حيث يخضعون لدورة تدريبية، يتخرجون بعدها ضباط مخابرات، يوزعون على الفروع في المحافظات. وهكذا يفعل محمد الخولي، من مخابرات القوى الجوية، مع الضباط من أبناء العشيرتَين الخياطية والحدادية؛ ويفعل محمد ناصيف، من المخابرات العامة، مع أبناء العشيرة الكلبية… صبحي حديدي
التعليقات