news-details

في بلدان كثيرة شهدت الثورات، كانت الخطوة الأولى بعد الانتصار هي استعادة السياسة إلى الناس عبر أحزاب حقيقية، تعبّر عن صوتهم وتضمن مراقبة السلطة. لم تكن الأحزاب مجرد مكاتب أو لافتات، بل كانت أداة للتغيير، ومكانًا للمحاسبة الشعبية. في سوريا، كان المشهد مختلفًا. قبل الثورة، وبعدها بقليل، فتح النظام الباب لما سمّاه “قانون الأحزاب”. ملأت صور الاجتماعات الجرائد الرسمية، وخرجت التصريحات تتحدث عن “سوريا الجديدة” و”التعددية السياسية”. لكن الحقيقة كانت أبعد من ذلك بكثير. لم يكن مسموحًا لأي حزب أن يرى النور دون موافقة الأجهزة الأمنية، ولم يكن ممكنًا تسجيل أي نشاط سياسي إلا بعد تقديم أوراق الولاء والصمت على الملفات الحقيقية: المعتقلون، الفساد في رأس السلطة، قمع الناس وتجويعهم. وبعد فتح ملفات الأمن القومي وملفات الأفرع الأمنية بعد انتصار الثورة، وجدنا دلالات واضحة تؤكد أن كثيرًا من هذه الأحزاب لم يكن سوى وسيلة لرصد المجتمع، مراقبة الناشطين، وتتبع اتجاهات الناس، تحت يافطة “العمل السياسي”. في تلك الحقبة، ظهرت على الساحة أحزاب متعددة: الحزب القومي السوري الاجتماعي الحزب الشيوعي السوري بجناحيه حزب الاتحاد الاشتراكي العربي الحزب الوحدوي الاشتراكي الديمقراطي حزب التضامن العربي الديمقراطي حزب التنمية الوطني حزب الشباب الوطني للعدالة والتنمية حزب العهد الوطني أحزاب أخرى بقيت أسماؤها مجهولة لدى الناس، لم تظهر إلا في بيانات التأييد ومظاهر الاحتفالات الرسمية. كانت هذه الأحزاب تتحرك ضمن خطوط حمراء مرسومة، لا تتجاوزها، وتصدر بيانات تتوافق مع ما تريده السلطة، وتشارك في انتخابات نتائجها محددة مسبقًا، مقابل الحفاظ على مكاتبها ووجودها الرمزي. اليوم: مرحلة انتقالية ومسؤولية تاريخية بعد انتصار الثورة، دخلت سوريا مرحلة انتقالية تمتد لأربع سنوات، جرى فيها تشكيل حكومة انتقالية وهيئة حكم مؤقتة، وبدأ العمل على إعادة بناء المؤسسات ضمن بيئة حرية وعدالة. ويجري اليوم اختيار أعضاء مجلس الشعب الحر عبر انتخابات مباشرة، وسط جدل واسع حول مسؤولية الأعضاء الجدد ودورهم في بناء الحياة السياسية بعد عقود من الصمت والهيمنة الأمنية. في هذه المرحلة: هناك نقاش واسع حول جدوى إعادة تدوير الأحزاب التي شاركت في مرحلة النظام السابق. هناك مطالب واسعة بمحاكمة من تورط بالصمت أو التبرير أو المشاركة في انتهاكات بحق الشعب. هناك إصرار لدى قطاعات واسعة من السوريين على بناء أحزاب جديدة نابعة من الشارع، مستقلة، لا تخضع إلا لمحاسبة الناس وقيم العدالة، بعيدًا عن أجهزة الأمن وأدوات القمع السابقة. نحو حياة سياسية حقيقية الحياة السياسية في سوريا الجديدة لن تكون استمرارًا لما سبق، بل قطيعة معه. لا حاجة لأسماء وشعارات دون فعل، ولا مكان لأحزاب الصمت والتزييف. الأحزاب اليوم مطالبة بأن تكون: أدوات للتعبير عن احتياجات الناس لا عن رغبات السلطة. أماكن لتأطير الطاقات الشابة وتنظيمها، لا لمراقبتها أو ترويضها. مدارس للمحاسبة والشفافية والعدالة. سوريا الجديدة تحتاج إلى أحزاب لا تخاف من قول "لا" أمام أي ظلم، وتقف مع المظلومين لا مع من يعتقلهم، وتبني مسارًا سياسيًا جديدًا يجعل من السياسة أداة تحرير، لا وسيلة لخدمة سلطة فاسدة. داني عطايا



التعليقات

اضافة تعليق